[ad_1]
د. محمود أبو فروة الرجبي
ربما لم يمر حدث، أو ابتكار، أو اختراع غير قوانين الحياة مثل الإنترنت، وكما أن هناك مهنا كثيرة تعرضت للخطر بسببه، فإنه أوجد فرصا عظيمة، وتمكن من أقلم نفسه من الصحفيين والإعلاميين، واكتسب مهارات جديدة ليعمل في البيئة الحاضنة له.
لنعطي مثالًا صغيرًا على ذلك، وهو موضوع العمل في غرف الأخبار في الولايات المتحدة الأميركية حيث ساد استخدام الذكاء الصناعي، وبات في لحظة ما يشكل وحشًا مفترسا للوظائف ولكن الأمور لم تكن سيئة إلى درجة كبيرة، فقد أظهرت إحصائيات أن هناك خسارة بعدد 24000 وظيفة في غرف الأخبار ما بين عامي
2008 و 2020، وربما كان التأثير الأكبر من الإنترنت، وفي مقابل انخفاض التوظيف في غرف الأخبار التقليدية ارتفع عدد موظفي غرف الأخبار الرقمية بنسبة 144 %، ورغم ذلك فقد وصل صافي الخسائر (الوظائف المفقودة – الوظائف المستحدثة) إلى 13000 موظف، وهذه الفجوة بين عدد الوظائف الملغاة والمستحدثة بسبب الذكاء الصناعي قد تزداد مع مرور الزمن، وقد تضيق، وشخصيا، ووفقا لتجارب سابقة في مجالات الإعلام حيث ساد نوع معين منه أثر على النوع السابق، ولكنه لا يلبث يتغير، ويتأقلم لينتج الـمزيد من الوظائف.
لنعود إلى الذكاء الصناعي، فهو يشير إلى برمجيات تتعلم آليات القيام بعمل ما، أو تقوم بوظائف معينة، تتطلب في العادة تكرارًا ما، وهذا التعلم المتعلق بالبرمجيات يتوفر بسبب قدرة النظام التقني على التعلم تلقائيًا، من خلال ردود فعل المستخدمين، بمعنى أن هذه البرمجيات تتعامل مع الطريقة التي يتعامل بها المستخدمون، وتعدل من نفسها، لتصبح مع مرور الوقت أكثر دقة وقدرة على إنجاز العمل.
لتقريب الصورة، عندما تقوم بكتابة اسم «الزرقاء» في الجوجل وتريد البحث عنها، فإن بعض الناس يكتبون «الزرقائ» بهذا الشكل الخاطئ، وعندما يسأل الـموقع المستخدم هل تقصد «الزرقاء» فيجيب بنعم، فإنه يتعلم تلقائيًا أن أي شخص يكتب الكلمة بشكل خاطئ يقصد الزرقاء، وبذلك يتعامل معها بدقة أفضل.
يعتمد بعض الصحفيين في العالم على عدد من التطبيقات التي تساعدهم في عملهم، ولعل أسهل هذه التطبيقات التي تنتشر بين الناس بمختلف أعمالهم وليس الصحافة فقط، هو برنامج: (ChatGPT) الذي يقوم بالإجابة على الأسئلة التي توجهها له، أو يكتب ما تطلبه منه، وإذا طلبت منه مثلًا أن يكتب خبرًا في 50 كلمة عن قراءة قصصية في مؤسسة عبد الحميد شومان قام بها الكاتب محمود الرجبي يوم الخميس الـماضي، فإنه سيكتب ما يأتي مثلًا: (هذا النص مأخوذ من التطبيق المذكور) « أقامت مؤسسة عبد الحميد شومان في العاصمة الأردنية عمان، فعالية قراءة قصصية للأطفال بعنوان «مع الأبطال»، قدمها الكاتب الأردني محمود الرجبي. وتميزت الفعالية بأداء الرجبي لقصص ممتعة وشيقة للأطفال، مما جعل الحضور يستمتع بالاستماع له، ويشارك فيها بحماس كبير. كما تضمنت الفعالية أيضًا ورشة عمل للأطفال، حيث تعلموا كيفية كتابة القصص القصيرة وتصميم صفحات الكتب. وحظيت الفعالية بإقبال كبير من الأطفال وأولياء الأمور على حد سواء، وتمنى الحضور إعادة تكرار مثل هذه الفعاليات المثري».
هذا النص منقول من التطبيق دون أي تعديل، صحيح أنه كتب اسم قصة لم يسمع بها الكاتب من قبل، ولكنه أضاف من عنده أشياء كثيرة، دققوا في الخبر؟ هل هناك فرق بين ما يكتب هنا من قبل كاتب هذه السطور وبين ما هو مكتوب؟
نلاحظ القدرة الغريبة على كتابة الأخبار في هذا البرنامج، وهناك برامج أخرى، وتطبيقات يستعين بها الصحفي، وأنا اعتقد أن تحديات الذكاء الصناعي وإن كانت ستشكل خطورة على الصحفيين ولكنها في الـمقابل ستعطي فرصًا أكثر عدالة للصحفيين المتميزين، والإعلامين المتمكنين، فالتطبيق الـمشار إليه في هذا الـمقال قد يخطئ في بعض الـمعلومات، ويفشل بالإجابة عن بعض الأسئلة، ولكننا نتحدث عن ذكاء صناعي يتعلم، ويعدل من محتوياته وطرق عمله بشكل دائم، ويزوده الناس يوميًا بكثير من الـملاحظات التي تحسن ما يعطيه من معلومات، وقد جربت ذلك بنفسي فخلال أكثر من ثلاثة أشهر أقوم بإجراء تجارب عليه لغرض البحث العلمي، وقمت بتغيير صيغة الأسئلة الـمعطاة، وغيرت طريقة التعامل معه، فكان يعطي نتائج قوية جدا.
كما أننا معشر الإعلاميين نواجه تحديات من الذكاء الصناعي، فإنه نفسه يعاني من مثلها، فهناك مدخلات خطأ أو معلومات مضللة يتلقاها فتوثر على مخرجاته، كما أن فهم ما يريده الإنسان يتغير، وأحيانًا تعطيه سؤالاً بطريقة معينة فيتغير ما يكتبه لك، وفي مقالات قادمة سأتحدث عن برامج أخرى لها علاقة بتجريف البيانات، وبصحافة البيانات، وبالمونتاج الرقمي وإنتاج الصور، والتحليل الكيفي والكمي للبيانات بما يخص الصحافة الاستقصائية، وغيرها.
يحتاج الذكاء الصناعي من الإعلاميين والصحفيين أن يعيدوا ترتيب طريقة تعاملهم معه، وأن يتسلحوا بالتعلم، والتدريب الدائم، وأن يجربوا بأنفسهم أي تطبيق، لئلا يجدوا أنفسهم بعد فترة خارج معادلة الإعلام، وهذا ما نرجوه لأحد، وللحديث بقية.
[ad_2]
Source link